التحرش الجنسى ماذا يحتاج : تشديد عقوبة أم تعجيل الأحكام ؟

مضايقات مستمرة ومتكررة من الشباب للفتيات
**
‏ حقا لقد تراجع التحرش الجنسي بالشكل الجماعي الذي حدث في عطلة عيد الفطر المبارك بمنطقة جامعة الدول العربية‏,‏ لكن لاتزال هناك حالات تحرش حدثت في عطلة عيد الأضحي المبارك عندما ضبطت أجهزة الأمن‏137‏ حالة معاكسة وتحرش جنسي في وسط القاهرة‏,‏ ربما كان تقلص هذه الظاهرة ناتجا عن إحجام الأسر والعائلات والفتيات عن الخروج إلي المناطق المزدحمة التي تعج بالشباب والمراهقين‏,‏ وربما كان السبب هو تكثيف الوجود الأمني بقوة لدرجة اغلاق جزء من شارع طلعت حرب بوسط البلد أو تقاطع شارعي السودان وجامعة الدول العربية‏,‏ وأمام دور السينما والمراكز التجارية‏..‏ لكن التساؤل الذي يتردد كثيرا الآن‏:‏ هل تكفي القوانين الحالية لردع المتحرشين؟ أم نحتاج إلي قانون جديد؟‏..‏ وما هي العقوبة المناسبة التي تمنعهم؟‏.‏
في السطور التالية نتناول القضية وتبحث في طرق العلاج كما يرصدها المتخصصون في القانون وعلوم الدين والاجتماع والقيادات النسائية‏..‏
د‏.‏ عبدالمعطي بيومي عميد كلية أصول الدين السابق يري أن الأحكام التي تصدر كعقوبة لمثل هذه الجرائم هي أحكام جيدة ومناسبة لأنها تعتمد في الشريعة الإسلامية علي التعزيز أي العقوبة المناسبة التي لا تصل إلي إقامة الحد وهي العقوبة التي يقدرها القاضي ويراها رادعة حسب كل حالة علي حدة‏..‏ فالتحرش في حد ذاته يختلف في كيفيته وضرره وحالاته متعددة‏..‏ ولاشك أن العقوبة السريعة المناسبة في القضايا المتعلقة بمثل هذه الجرائم أفضل من التأجيل الذي يؤدي إلي نسيان الواقعة‏..‏
ومن ناحية أخري فإنه إلي جانب تنفيذ العقوبات يجب أن تقوم مؤسسات التربية والمؤسسات الدينية في المجتمع إلي إشاعة روح الأخلاق والتربية خاصة في مراحل التعليم الأساسي حتي ينشأ لدي الجميع روح الخلق والحياء والإقتناع الذاتي باحترام الآداب العامة والمحافظة علي الأعراض علي التربية المستقيمة فالعقوبات وحدها لا تكفي لردع البعض ممن لا تردعهم العقوبة‏.‏
أما د‏.‏ محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة لخدمة المجتمع فيشير إلي أن ظاهرة التحرش الجنسي التي انتشرت في الآونة الأخيرة تصدت لها الشريعة الإسلامية باهتمامها بحماية الأعراض‏,‏ بل إنها جعلتها واحدا من المقاصد الرئيسية التي تقوم الشريعة علي حمايتها وتسمي بـ حفظ العرض بعدم التعرض له بالاستهزاء أو السخرية كما وضعت مجموعة من المحاذير العامة بتحريم كل علاقة جسدية غير مشروعة بدءا من النظرة المحرمة مصداقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام العينان تزنيان وزنا العين هو النظر وذلك استخلاصا من قوله تعالي قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم‏..‏
وتدرجا من ذلك حرم علي المرأة أن تجعل جسدها فتنا للرجال وضرورة ألا تبدي من زينتها إلا ما ظهر منها طبيعيا كالوجه والكفين ونهت الشريعة المرأة عن أن تلبس ما يصف أو يشف من الملابس لأن في ذلك إثارة للرجال والشباب والمراهقين‏.‏
وعلي الجانب الآخر فيجب ألا نغفل عن عوامل الإثارة والفتن الموجودة في الفضائيات وأجهزة الإعلام التي أصبح من الصعب حصرها دون تدخل لمواجهة هذه الإثارة‏,‏ وإذا كانت بعض الدول تفكر في وضع مواثيق شرف للقنوات الفضائية لمنع البرامج التي تخترق الأنظمة السياسية فمن الأولي أن نضع هذه المواثيق للقنوات التي تحطم الشباب وتدفعهم إلي الإثارة الجنسية والتحرش‏..‏ وقد تكون هذه المواثيق إحدي وسائل العلاج للخروج من هذا المأزق اللاأخلاقي‏.‏
ولا نستطيع أن نغفل دور القانون في المجتمع كما أن القوانين المأخوذة من مصادر الشريعة الاسلامية لها التأثير الأقوي إذا تم تدعيمها فهي الأكثر علاجا لاقتراب الدين من النفوس‏..‏ ولكن نظرا لأن القوانين الاسلامية ليست محلا للتطبيق في المحاكم فإننا علي الأقل يجب أن نشدد عقوبات جرائم الاعتداء علي العرض بكافة صورها‏.‏ وهنا يجب أن نشير إلي مشكلة تكمن في صعوبة توفير الإثبات في كثير من مثل هذه القضايا تماما كما حدث في واقعة شارع جامعة الدول العربية حيث لم تجرؤ البنات المتحرش بهن علي الذهاب إلي المحكمة أو إلي وسائل الإعلام خوفا من التشهير بهن وهنا نؤكد أن صعوبة الإثبات تسهم في ضياع هيبة القانون‏.‏
د‏.‏ محمود كبيش أستاذ القانون الجنائي ووكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة يلتقط خيط الحديث مؤكدا الجزئية السابقة المتعلقة بأن الطرف المجني عليه في مثل هذه الجرائم قد يلعب دورا بالغ الخطورة في عدم تفعيل النصوص القانونية وعدم تطبيق العقوبات إذا أحجم عن الإبلاغ عن مثل هذه الوقائع ولم يقدم شهادته فيها وذلك حفاظا علي سمعته‏..‏ ولكن هذا يتسبب في ضياع الدليل علي حدوث الواقعة ويسهم في إفلات الجاني من العقاب نظرا لعدم إثبات جريمته‏..‏
والمشكلة تكمن في أنه كلما حدث اعتداء من نوع ما يثير القلق في المجتمع يكون هناك اتجاه علي الفور إلي وضع نصوص قانونية وفي حقيقة الأمر أن النصوص القانونية كافية لمواجهة كل أنواع الاعتداءات من مثل هذا النوع والمهم هو فاعلية التطبيق وتكثيف الوجود الأمني في الشوارع وأماكن التجمعات‏..‏
ويضيف أن العقوبات هنا كافية وواضحة‏,‏ فإذا كانت هناك حالة اغتصاب أي مواقعة كاملة فإن العقوبة هي السجن المؤبد أو المشدد‏..‏ أما إذا وصل الأمر إلي المساس الجسيم بجزء من جسد المجني عليه‏(‏ سواء كان رجلا أو امرأة فالقانون هنا لا يفرق بين الجنسين‏)‏ فهو ما يطلق عليه هتك عرض بالقوة فإن الجريمة تعد في اطار الجناية وعقوبتها جسيمة تصل إلي السجن المشدد من ثلاث إلي سبع سنوات‏.‏
وأيضا إذا كان سن من وقع عليه الاعتداء‏(‏ المجني عليه‏)‏ في هذه الواقعة‏(‏ هتك العرض بالقوة‏)‏ أقل من‏16‏ سنة فان العقوبة تصل إلي‏15‏ سنة‏..‏ أما إذا كانت الوقائع أقل جسامة تتمثل في الفعل الفاضح المخل بالحياء ذي الطابع الجنسي ولا يصل إلي حد المساس بالعورة فإن الجريمة تدخل في اطار الجنحة وعقوبتها هي الحبس مدة لا تزيد علي سنة أو غرامة لا تتجاوز‏300‏ جنيه‏.‏
د‏.‏ حسن جميعي أستاذ ورئيس قسم ومدير مركز البحوث بكلية الحقوق جامعة القاهرة يشير إلي أن هناك بالفعل ترسانة قانونية كاملة وشاملة لا تحتاج إلي تعديل أو اضافات وينقصها الاعمال والانفاذ مع التدقيق في صحة البلاغ وكل ما نأمله أن تكون الأحكام الصادرة فيها سريعة لأن البطء في اصدارها يطمئن به مرتكب الجريمة ومن يشرع فيها وتسول له نفسه بذلك أنه لن يعاقب‏..‏ وحتي ان صدرت فيها احكام متأخرة فانها لن تحقق الردع العام لانه يغيب عن الناس الأثر المترتب عليها بحكم مضي الزمن بين الواقعة وتوقيع العقوبة‏..‏
وبالفعل فإن النصوص العقابية الموجودة في قانون العقوبات الحالي كافية تماما لردع ظاهرة التحرش الجنسي بمعناه الواسع وهتك العرض بمعناه الدقيق‏..‏ فجريمة التعرض لأنثي في الطريق العام‏(‏ وهي أيضا احدي صور التحرش‏)‏ ينص عليها قانون العقوبات وهي علي سبيل الجنحة خاصة إذا كان هذا التعرض يخدش الحياء وتصل فيها العقوبة إلي ثلاث سنوات‏..‏ وهذه النصوص قد تمكن القضاء العادل من اعمالها بالفعل في الوقائع التي حدثت اخيرا‏.‏
ولما كانت مشكلة التحرش هي مشكلة اجتماعية في المقام الأول فإن لخبراء هذا المجال رأي في تحليلها وكيفية التصدي لها وتعبر عنه د‏.‏ عزة كريم استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية التي تؤكد أنه لا يمكن علي الاطلاق علاج مثل هذه الظواهر الاجتماعية بالقانون ولا العقوبات وانما الحل هو التعرف علي سبب المشكلة ومحاولة معالجته‏..‏ لا سيما أنه في جريمة مثل التحرش قد تكون هناك صعوبة بالغة في تحديد الجاني وخاصة في حالات التحرش الجماعي‏.‏
القيادات النسائية لها رأي في القضية تشير إليه د‏.‏ جورجيت صبحي قليني عضو المجلس القومي للمرأة وعضو مجلس الشعب قائلة إنه عندما نلحظ أنه بالرغم من وجود عقوبات فإن الجريمة لاتزال مستمرة فاننا لسنا ضد تشديد العقوبة لأن استمرار وقوع الحوادث يعني أن العقاب ليس كافيا في حين أن العقوبة تحقق الاصلاح للمجرم والردع للمجتمع وإلي جانب ذلك نري خطوطا أخري موازية يجب الالتزام بها تنحصر في ثلاث نقاط أولاها سرعة الفصل في مثل هذه القضايا وهو ما بدأنا نلمسه بالفعل وثانيتها اهتمام الجهات المعنية بالدعاوي والبلاغات التي تقدم إليها وهو أيضا أمر شديد الوضوح الآن وأخيرا ضرورة التوسع في نشر ثقافة حقوق الانسان وأهمها حقه في أن يكون آمنا علي نفسه وألا يفسد الأخرون هذا الأمان سواء بالايذاء المادي أو المعنوي من خلال كلمات تؤذي المشاعر‏..‏ وهناك ضرورة لزرع هذه الثقافة داخل كل فرد ليتأكد أن الآخر له حق يجب احترامه وعدم المساس به‏.‏
وتلفت د‏.‏ فادية أبو شهبة أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الي أن المشرع المصري لم يقم بتعريف مفهوم التحرش الجنسي لكن هذا المفهوم جاء من قانون العمل الفرنسي بسبب اعتداء صاحب العمل علي العاملين في فرنسا‏(‏ وكذلك في أمريكا‏)‏ ولهذا عندما أيقن المشرع خطورة هذه الجريمة فقام في عام‏1995‏ باضافة العقوبة علي هذه الجريمة الموجودة في قانون العمل ليدخلها أيضا في قانون العقوبات‏,‏ وتوضح أن التحرش يقصد به الاغواء والاغراء والملامسة والمراودة عن النفس أو التحريض علي عمل فعل غير مشروع‏
‏ أما هتك العرض هو التعرض لأنثي علي وجه يخدش حياءها حسب المادة رقم‏(306)‏ مكرر من قانون العقوبات تنص علي أن كل من تعرض لأنثي علي وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مطروق يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي سنة ولا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن‏200‏ جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه‏,‏ وفي حالة العود‏(‏ اذا ارتكب الجريمة في خلال عام من تاريخ الحكم عليه‏)‏ تشدد العقوبة ويجوز ايصال الحبس للحد الأقصي في الحبس وهو‏3‏ سنوات والغرامة من‏500‏ الي‏3‏ آلاف جنيه أو احدي العقوبتين‏,‏ ويسري حكم هذه المادة علي جميع أنواع التحرش سواء عن طريق التليفون الأرضي أو المحمول‏,‏ وإذا كان هناك تعديل تشريعي لابد أن يتضمن التعرض عن طريق الانترنت والايميل أيضا‏.‏
وجدير بالذكر أن هذا القانون يعمل به منذ عام‏1953,‏ لكن من المهم تعديله الآن وترجع هذه الأهمية لما حدث من تغييرات في المجتمع وأخلاقيات بعض المواطنين‏.‏ هناك درجات من المعاكسة أو التحرش لو امتدت الي ملامسة جسد المجني عليها اعتبرت هتك عرض‏,‏ وسواء كان المجني عليه ذكرا أو أنثي‏,‏ فإن المادة رقم‏(288)‏ والمادة‏(289)‏ تعاقبان علي هذه هتك العرض وتعتبرها جناية عقوبتها السجن المشدد من‏3‏ سنوات الي‏7‏ سنوات أو المؤبد في حالة توافر شرط مشدد للجريمة اذا كان المجني عليه لم يتجاوز عمره‏16‏ سنة وإذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين رعايته‏,‏ وإذا جمع الشرطيين مع بعضهم البعض قد تصل العقوبة للمؤبد‏.‏
وتطالب د‏.‏ فادية أبو شهبة بأن يحدد القانون أو التعديل التشريعي ـ تعريفا واضحا جامعا مانعا في المذكرة التفسيرية للقانون ليحدد أركان الجريمة ويعاقب المتحرش من الجنسين سواء كان ذكرا أو أنثي‏,‏ ووضع تعريف واضح لمفهوم فعل التحرش الجنسي العصري الحديث‏,‏ حتي لا يكون التعريف فضفاضا يفلت من الجناة وفي نفس الوقت لا تكون العقوبة مشددة جدا حتي لا يضطر القاضي للنزول بالحكم والتخفيف‏,‏ مع وجود تدرج في العقوبة حسب درجة التحرش ولابد من تحديد أركان المشكلة المادي والمعنوي وإن كان الأخير فيه قصد جائز‏,‏ بل يجب أن يتم وضع عقوبة متناسبة مع الفعل وتسهيل طرق الاثبات حتي لا تعجز المرأة عن اثبات الواقعة‏,‏ كما لابد من نشر الوعي بأن المجني عليها هي الضحية وليست الجاني ولا شريكه في الفعل‏.‏
وتختتم كلامها قائلة لا يمكن القاء كل اللوم علي القانون والتشريعات ولكن لابد من مواجهة الأسرة لأن أهم شيء هو التنشئة الاجتماعية والأخلاقية والدينية والتربية علي أساس حق الانسان في صيانة شرفه وجسده وماله‏,‏ فإذا كان الوالدان منشغلين في جمع المال من أجل مواجهة أعباء الحياة وتركوا أهم وظيفة وهي تربية الأبناء لوسائل الاعلام والانترنت لأن دور التربية في المدارس انحسر‏,‏ كذلك ترك الأبناء يلهون في الشوارع يلتقون بأصدقاء السوء ويقفون في الطرقات يعترضون الفتيات لأن ليس هناك استغلال جيد لأوقات الفراغ‏,‏ لذا لابد من اعادة اقامة الساحات الشعبية ليمارس فيها الشباب الرياضة وإقامة المعسكرات وغيرها من الأنشطة التي يمكن أن يخرج فيها الشباب طاقاته وحماسه ويشغل وقته في شيء مفيد دون الحاق الضرر بالآخرين‏.‏